سورة إبراهيم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


قوله تعالى: {وجعلوا لله أنداداً} قد بينَّاه في سورة [البقرة: 22]، واللام في {ليَضِلُّوا} لام العاقبة، وقد سبق شرحها [يونس: 88]، ومن قرأ {لِيُضِلوا} بضم الياء، أراد: ليُضِلُّوا الناس عن دين الله.
قوله تعالى: {قل تمتعوا} أي: في حياتكم الدنيا، وهذا وعيد لهم. قال ابن عباس: لو كان الكافر مريضاً لا ينام، جائعاً لا يأكل ولا يشرب، لكان هذا نعيماً يتمتع به بالقياس إِلى ما يصير إِليه من العذاب، ولو كان المؤمن في أنعم عيش، لكان بؤساً عندما يصير إِليه من نعيم الآخرة.


قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا} أسكن ابن عامر، وحمزة، والكسائي ياء {عبادي}.
قوله تعالى: {يقيموا الصلاة} قاله ابن الأنباري: معناه: قل لعبادي: أقيموا الصلاة وأنفِقوا، يقيموا وينفقوا، فحُذف الأمران، وتُرك الجوابان، قال الشاعر:
فأيُّ امرئ أَنْتَ أَيُّ امْرِئ *** إِذا قِيْلَ في الحَرْبِ من يُقْدِمُ
أراد: إِذا قيل: من يُقدم تُقْدِمُ. ويجوز أن يكون المعنى: قل لعبادي أقيموا الصلاة، وأنفقوا، فصُرف عن لفظ الأمر إِلى لفظ الخبر. ويجوز أن يكون المعنى: قل لهم ليُقيموا الصلاة، وليُنفقوا، فحذف لام الأمر، لدلالة {قل} عليها. قال ابن قتيبة: والخِلال مصدر خالَلْت فلاناً خلالاً ومُخالَّة، والاسم الخُلَّة، وهي الصداقة.
قوله تعالى: {وسخَّر لكم الأنهار} أي: ذلَّلها، تجري حيث تريدون، وتركبون فيها حيث تشاؤون. {وسخر لكم الشمس والقمر} لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما {دائبين} في إِصلاح ما يُصلحانه من النبات وغيره، لا يفتران. ومعنى الدؤوب: مرور الشيء في العمل على عادة جارية فيه. {وسخَّر لكم الليل} لتسكنوا فيه، راحة لأبدانكم، {والنهار} لتنتفعوا بمعاشكم، {وآتاكم من كل ما سألتموه} وفيه خمسة أقوال:
أحدها: أن المعنى: من كل الذي سألتموه، قاله الحسن، وعكرمة.
والثاني: من كل ما سألتموه، لو سألتوه، قاله الفراء.
والثالث: وآتاكم من كل شيء سألتموه شيئاً، فأضمر الشيء، كقوله: {وأوتيتْ من كل شيء} [النمل 23] أي، من كل شيء في زمانها شيئاً، قاله الأخفش.
والرابع: من كل ما سألتموه، وما لم تسألوه، لأنكم لم تسألوا شمساً ولا قمراً ولا كثيراً من النِّعم التي ابتدأ كم بها، فاكتُفي بالأول من الثاني، كقوله: {سرابيل تقيكم الحر} [النحل 81]، قاله ابن الأنباري.
والخامس: على قراءة ابن مسعود، وأبي رزين، والحسن، وعكرمة، وقتادة، وأبان عن عاصم، وأبي حاتم عن يعقوب: {من كلٍّ ما} بالتنوين من غير إِضافة، فالمعنى: آتاكم من كُلٍّ ما لم تسألوه، قاله قتادة، والضحاك.
قوله تعالى: {وإِن تعُدُّوا نِعمة الله} أي: إِنعامه {لا تحصوها} لا تُطيقوا الإِتيان على جميعها بالعَدِّ لكثرتها. {إِن الإِنسان} قال ابن عباس: يريد أبا جهل. وقال الزجاج: الإِنسان اسم للجنس يُقصَد به الكافر خاصة.
قوله تعالى: {لظَلوم كَفَّار} الظَّلوم هاهنا: الشاكرُ غيرَ مَن أنعم عليه، والكَفَّار: الجحود لنِعم الله تعالى. قوله تعالى: {اجعل هذا البلد آمنا} قد سبق تفسيره في سورة [البقرة: 126].
قوله تعالى: {واجنبني وبَنيَّ} أي: جنِّبني وإِياهم، والمعنى: ثبِّتني على اجتناب عبادتها. {رب إِنهن أضللن كثيراً من الناس} يعني: الأصنام، وهي لا توصَف بالإِضلال ولا بالفعل، ولكنهم لما ضلّوا بسببها، كانت كأنها أضلَّتهم. {فمن تبعني} أي: على ديني التوحيد {فإنه مِنّي} أي: فهو على مِلَّتي، {ومن عصاني فإنك غفور رحيم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ومن عصاني ثم تاب فانك غفور رحيم، قاله السدي.
والثاني: ومن عصاني فيما دون الشرك، قاله مقاتل بن حيان.
والثالث: ومن عصاني فكفر فإنك غفور رحيم أن تتوب عليه فتهديه إِلى التوحيد، قاله مقاتل بن سليمان. وقال ابن الأنباري: يحتمل أن يكون دعا بهذا قبل أن يُعلِمه الله تعالى أنه لا يغفر الشرك كما استغفر لأبيه.


قوله تعالى: {ربنا إِني أسكنت من ذريتي} في {مِنْ} قولان:
أحدهما: أنها للتبعيض، قاله الأخفش، والفراء.
والثاني: أنها للتوكيد، والمعنى: أسكنت ذريتي، ذكره ابن الأنباري.
قوله تعالى: {بوادٍ غير ذي زرع} يعني: مكة، ولم يكن فيها حرث ولا ماء. عند {بيتك المحرَّم} إِنما سمي محرَّماً، لأنه يحرم استحلال حرماته والاستخفاف بحقه.
فإن قيل: ما وجه قوله: {عند بيتك المحرَّم} ولم يكن هناك بيت حينئذ، إِنما بناه إِبراهيم بعد ذلك بمُدَّة؟ فالجواب من ثلاثة وجوه.
أحدها: أن الله تعالى حرَّم موضع البيت منذ خلق السموات والأرض، قاله ابن السائب.
والثاني: عند بيتك الذي كان قبل أن يُرفَع أيام الطوفان.
والثالث: عند بيتك الذي قد جرى في سابق علمك أنه يحدث هاهنا، ذكرهما ابن جرير. وكان أبو سليمان الدمشقي يقول: ظاهر الكلام يدل على أن هذا الدعاء إِنما كان بعد أن بُني البيت وصارت مكة بلداً. والمفسرون على خلاف ما قال. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد أن إِبراهيم خرج من الشام ومعه ابنه إِسماعيل وأمّه هاجر ومعه جبريل حتى قدم مكة وبها ناس يقال لهم: العماليق، خارجاً من مكة، والبيت يومئذ ربوة حمراء، فقال إِبراهيم لجبريل: أهاهنا أُمرتُ أن أضعهما؟ قال: نعم؛ فأنزلهما في مكانٍ من الحِجر، وأمر هاجر أن تتخذ فيه عريشاً، ثم قال: {ربنا إِني أسكنت من ذريتي...} الآية. وفتح أهل الحجاز، وأبو عمرو ياء {إِنيَ أسكنت}.
قوله تعالى: {ربنا ليُقيموا الصلاة} في متعلَّق هذه اللام قولان:
أحدهما: أنها تتعلق بقوله: {واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام}، فالمعنى: جنَبهم الأصنام ليُقيموا الصلاة، هذا قول مقاتل.
والثاني: أنها تتعلق بقوله: {أسكنت}، فالمعنى: أسكنتُهم عند بيتك ليُقيموا الصلاة، لأن البيت قِبلة الصلوات، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: {فاجعل أفئدة من الناس} أي: قلوب جماعة من الناس. قال ابن الأنباري: وإِنما عبَّر عن القلوب بالأفئدة، لقُرب القلب من الفؤاد ومجاورته، قال امرؤ القيس:
رَمَتْني بَسَهْمٍ أَصَابَ الفُؤَادَ *** غَدَاةَ الرَّحِيلِ فَلَمْ أَنْتَصِر
وقال آخر:
كَأَنَّ فُؤادِي كُلمَّا مَرَّ رَاكِبٌ *** جَنَاحُ غُرَابٍ رَامَ نَهْضَاً إِلى وِكْرِ
وقال آخر:
وإِنَّ فُؤَادَاً قَادَني لِصَبَابَةٍ *** إِلَيْكِ عَلَى طُوْلِ الهَوى لَصَبُورُ
يعنون بالفؤاد: القلب.
قوله تعالى: {تهوي إِليهم} قال ابن عباس: تَحِنُّ إِليهم. وقال قتادة: تنزع إِليهم وقال الفراء: تريدهم، كما تقول: رأيت فلاناً يَهوي نحوك، أي: يريدك. وقرأ بعضهم: {تهوَى إِليهم} بمعنى: تهواهم، كقوله: {ردفَ لكم} [النمل 72] أي: ردفكم. {وإِلى} توكيد للكلام. وقال ابن الأنباري: {تَهوي إِليهم}: تنحط إِليهم وتنحدر. وفي معنى هذا المَيل قولان:
أحدهما: أنه المَيل إِلى الحج، قاله الأكثرون.
والثاني: أنه حُبُّ سُكنى مكة، رواه عطية عن ابن عباس. وروى سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: لو كان إِبراهيم قال: فاجعل أفئدة الناس تهوي إِليهم، لحجَّه اليهود والنصارى، ولكنه قال: من الناس.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8